قوله عز وجل: {إذا السماءُ انشَقّتْ} وهذا من أشراط الساعة، قال عليّ رضي الله عنه: تنشق السماء من المجرة، وفيه ثلاثة أوجه:أحدها: أنه محذوف الجواب وتقديره: إذا السماء انشقت رأى الإنسان ما قدّم من خير وشر.الثاني: أن جوابه {كادح إلى ربك كدحاً}.الثالث: معناه أذكر إذا السماء انشقت.{وأَذِنَتْ لِرّبها وحُقّتْ} معنى أذنت لربها أي سمعت لربها، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم ما أذن الله لشيء كإذانه لنبي يتغنى بالقرآن أي ما استمع الله لشيء، وقال الشاعر:صُمٌّ إذا سَمِعوا خيْراً ذُكِرتُ به *** وإنْ ذُكِرْتُ بسُوءٍ عندهم أَذِنواأي سمعوا.{وحُقّتْ} فيه وجهان:أحدهما: أطاعت، قاله الضحاك.الثاني: معناه حق لها أن تفعل ذلك، قاله قتادة، ومنه قول كثيّر:فإن تكُنْ العُتْبى فأهْلاً ومرحبا *** وحُقّتْ لها العُتبى لديْنَا وَقَلَّت.ويحتمل وجهاً ثالثاً: أنها جمعت، مأخوذ من اجتماع الحق على نافيه وحكى ابن الانباري أن {أذنت لربها وحقت} جواب القسم، والواو زائدة.{وإذا الأرضُ مُدَّتْ} فيها قولان:أحدهما: أن البيت كان قبل الأرض بألفي عام، فمدت الأرض من تحته، قاله ابن عمر.الثاني: أنها أرض القيامة، قاله مجاهد، وهو أشبه بسياق الكلام.وفي {مُدَّتْ} وجهان:أحدهما: سويت، فدكّت الجبال ويبست البحار، قاله السدي.الثاني: بسطت، قاله الضحاك، وروى عليّ بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مدّ الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدمه».{وأَلقْتْ ما فيها وتَخلّتْ} فيه وجهان:أحدهما: ألقت ما في بطنها من الموتى، وتخلت عمن على ظهرها من الأحياء، قاله ابن جبير.الثاني: ألقت ما في بطنها من كنوزها ومعادنها وتخلت مما على ظهرها من جبالها وبحارها، وهو معنى قول قتادة.ويحتمل ثالثاً: هو أعم، أنها ألقت ما استوعدت، وتخلت مما استحفظت لأن الله استودعها عباده أحياء وأمواتاً، واستحفظها بلاده مزارع وأقواتاً.{يا أيها الإنسانُ إنك كادحٌ إلى ربك كدْحاً فملاقيه} فيه قولان:أحدهما: إنك ساعٍ إلى ربك سعياً حتى تلاقي ربك، قاله يحيى بن سلام، ومنه قول الشاعر:ومَضَتْ بشاشةُ كلِّ عَيْشٍ صالحٍ *** وَبقيتُ أكْدَحُ للحياةِ وأَنْصَبُأي أعمل للحياة. ويحتمل قولاً ثالثاً: أن الكادح هو الذي يكدح نفسه في الطلب إن تيسّر أو تعسّر.{فأمّا مَنْ أَوتي كِتابَه بيمينه} روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يعرض الناس ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وفي الثالثة تطير الكتب من الأيدي، فبين آخذٍ كتابه بيمينه، وبين آخذٍ كتابه بشماله».{فسوف يُحاسَبُ حِساباً يَسيراً} وفي الحساب ثلاثة أقاويل:أحدها: يجازى على الحسنات ويتجاوز له عن السيئات، قاله الحسن.الثاني: ما رواه صفوان بن سليم عن عائشة قالت: سئل رسول الله عن الذي يحاسب حساباً يسيراً، فقال: «يعرف عمله ثم يتجاوز عنه، ولكن من نوقش الحساب فذلك هو الهالك».الثالث: أنه العرض، روى ابن أبي مليكة عن عائشة رضي الله عنها: أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله: {فسوف يحاسب حساباً يسيراً} فقال: «ذلك العرض يا عائشة، من نوقش في الحساب يهلك».{وَيَنقَلِبُ إلى أهْلِه مَسْروراً} قال قتادة: إلى أهله الذين قد أعدهم الله له في الجنة.ويحتمل وجهاً ثانياً: أن يريد أهله الذين كانوا له في الدنيا ليخبرهم بخلاصه وسلامته.{إنَّه ظَنَّ أن لن يَحُورَ} أي لن يرجع حياً مبعوثاً فيحاسب ثم يثاب أو يعاقب، يقال: حار يحور، إذا رجع، ومنه الحديث: «أعوذ بالله من الحْور بعد الكْور»، يعني من الرجوع إلى النقصان بعد الزيادة، وروي: «بعد الكوْن»، ومعناه انتشار الأمر بعد تمامه.وسئل معمر عن الحور بعد الكْون فقال: الرجل يكون صالحاً ثم يتحول امرء سوء.وقال ابن الأعرابي: الكُنْنّي: هو الذي يقول: كنت شاباً وكنت شجاعاً، والكاني: هو الذي يقول: كان لي مال وكنت أهب وكان لي خيل وكنت أركب، وأصل الحور الرجوع، قال لبيد:وما المرءُ إلا كالشهاب وضوئه *** يَحُورُ رماداً بَعْد إذ هو ساطعُ.وقال عكرمة وداود بن أبي هند: يحور كلمة بالحبشية، ومعناها يرجع وقيل للقصار حواري لأن الثياب ترجع بعمله إلى البياض.{بلى إنّ ربّه كان به بَصيراً} يحتمل وجهين:أحدهما: مشاهداً لما كان عليه.الثاني: خبيراً بما يصير إليه.